19 , أبريل 2024

القطيف اليوم

تنوير: هل تأنس بعدوّك؟

بسم الله الرحمن الرحيم
نعتقد -نحن البشر- بأفضليتنا على جميع المخلوقات التي تعيش بيننا؛ فقد ميّزنا خالقنا -جلَّ وعلا- بالعقل دونها، وكلّما أحسَنَ الفرد استخدام عقله تميّز عن بقية أفراد المجتمع، وأصبح محلَّ الاهتمام والإشادة، ولطالما سمعنا مدح الناس لشخص بأنّه راجح العقل.
ومن العقل أن يأنس العاقل بصديقه ومحبوبه؛ فالصديق يحب أن يتحدّث مع صديقه مهما طال الوقت، والمحبّ لا يودّ أن يشغله شيء عن تسامره مع محبوبه ليلًا ونهارًا؛ وربّما ترك عمله وأجّل مواعيده المهمّة لذلك فغاية المنى النظر إلى وجه الحبيب.
ومن المستغرب جدًا، بل من المستنكر أن يأنس الإنسان بعدوّه، ومن الطبيعيّ أن ينفر عند رؤيته أو سماع صوته.
والسؤال الذي يراودني لم لا نستغرب حين نجد قسمًا كبيرًا من الناس لا يعيرون عقولهم أيّ اهتمام ولا ينصتون لها؛ ويصغون للهوى الممقوت فيجرّهم إلى الأُنس بالعدو الذي يسير بهم إلى عذاب النار؛ كالاستماع إلى ما نهى عنه الدين الإسلاميّ الحنيف، بل التفاخر بارتكاب المعصية عند البعض!
في الحال الذي يُهجر القرآن الكريم الذي هو كلام خير محبوب وهو ربّنا عزّ وجل، وهو السالك بنا إلى كلّ خير.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
«اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ؛ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى.
واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، ولَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى، فَاسْتَشْفُوه مِنْ أَدْوَائِكُمْ، واسْتَعِينُوا بِه عَلَى لأْوَائِكُمْ، فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلَالُ، فَاسْأَلُوا اللَّه بِه وتَوَجَّهُوا إِلَيْه بِحُبِّه، ولَا تَسْأَلُوا بِه خَلْقَه، إِنَّه مَا تَوَجَّه الْعِبَادُ إِلَى اللَّه تَعَالَى بِمِثْلِه.
واعْلَمُوا أَنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وأَنَّه مَنْ شَفَعَ لَه الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيه، ومَنْ مَحَلَ بِه الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْه؛ فَإِنَّه يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِه وعَاقِبَةِ عَمَلِه غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ"؛ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِه وأَتْبَاعِه، واسْتَدِلُّوه عَلَى رَبِّكُمْ واسْتَنْصِحُوه عَلَى أَنْفُسِكُمْ، واتَّهِمُوا عَلَيْه آرَاءَكُمْ واسْتَغِشُّوا فِيه أَهْوَاءَكُمْ»[1].
والحمد لله ربّ العالمين


‌[1] نهج البلاغة: 252.


error: المحتوي محمي