14 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

حسين القصاب .. حين يذبل الغصن النديّ قبل الأوان!

تلقينا بجميل الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله وقدره نبأ وفاة ابن أخ الزوجة، حسين علي حبيب القصاب، إثر حادث أصابه صباح يوم الجمعة، ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥م.

من أكبر ما يشجي ويحزن، بل أكبر ما يشجي ويحزن أن يموت شابّ في سنوات الزواج والنضج. انتظرَ والدهُ ووالدته خمسًا وعشرين سنة؛ متى يكبر ولدي؟ متى يخط شاربه؟ متى يتزوج؟ متى أحمل أولاده؟ ثم بين لحظةٍ وأخرى ينتهي كلّ حلم وكأن شيئًا لم يكن. يذهب كل شيء ويأتي الحزن والأسى وتطواف الذكريات!

ينسى الإنسان كل شيء وكلّ أحد إلا الولد! يبقى الأب يتذكر وتتذكر الأم؛ هنا لعبَ، هنا أكلَ، هنا ضحكَ، هنا اضطجعَ ونام. أنا شخصيًّا لما رأيت الحضور الشبابي الكبير والرياحين في تشييعه قلت: يا سبحان الله كم وددت لو كان هذا الحشد في زفاف عرسه لكن الأمر كله لله لا مضادّ لحكمه.

ما يبعث على السلوة أن كلّ إنسان مبتلى في حياته بفقد كما يقول الشاعر أبو الحسن التهامي حين مات ابنه شابًّا:

حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري * ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً * حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها * صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ؟
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها * مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ

ملكَ ذو القرنين شرق الدنيا وغربها فلما حضرته الوفاة أوصى أمه: إذا هو ماتَ أن تصنع طعامًا، وتجمع نساء أهل المدينة وتضعه بين أيديهن، وتأذن لهن فيه، إلا من كانت ثكلى، فلا تأكل منه شيئا، فلما فعلت ذلك لم تضع واحدةٌ منهن يدها فيه، فقالت لهنّ: سبحان الله! كلكنّ ثكلى! فقلن: أي والله ما منا إلا من أُثكلت، فكان ذلك تسلية لأمه.

أصبحنا يوم الجمعة، ١١ شعبان ١٣٩٤ هجرية، وكنا ستة إخوة. ما ارتفع النهار إلا ونحن خمسة، سقط منا واسطة العقد وأجمله، عبد الله، في حادث. لا أحتاج أن أذكر ماذا صنع فقدهُ بأمنَا وأبينا لأنه مؤلمٌ جدًّا!

هذا الحادث السريع الذي راح ضحيته الشابّ حسين ذكرنا بعمه محسن رحمه الله تعالى، مات شابًّا في حادث سيارة قبل حوالي ثلاثين سنة وبقيت أمه وذويه في حسرة وألم لا ينسى. 

هذه هي الدنيا خذها بمرها وحلوها. الكلمة الأخيرة فيها لصانعها، الله سبحانه وتعالى، الذي لولا ما يعطي من صبر وأجر لهلك صاحب كل مصيبة. يُعطي الله الإنسان صبرًا بحجم مصيبته وأجرًا يعوضه عما فقد وأكثر! "إن صبرت جرى عليك القدرُ وأنت مأجور، وإن جزعتَ جرى عليك القدرُ وأنت مأزور".

الكلمة الأخيرة: نرفع أيدينَا وندعو الله سبحانه وتعالى أن يعطي الله سبحانه من فقد حبيبًا البهجة والفرح وأن يبدل طعامَ العزاء بموائد وليمة العرس وأصوات البكاءِ بأَغاني وأناشيد الزفاف ولمّات المعزين بضيوف المهنئين والمباركين!


error: المحتوي محمي